تانيا صالح لـ«الجمهورية»: الحُبّ لم يُخمِد ثورتي
رنا اسطيح
Friday, 28-Nov-2014 00:07
مغنّية، ملحّنة، مؤلّفة أغاني وفنّانة تشكيليّة لبنانيّة. إمرأة خارجة عن أُطُر «التلسيع»، وقد ترجمت خصوصيّتها الشديدة أعمالاً غنائيّة ناجحة، آخرها ألبوم غنائي كامل بعنوان «شويّة صوَر». هي تانيا صالح التي ألّفت أجمل أغنيات أفلام نادين لبكي ومثّلت في مسرحيّتَين لزياد الرحباني، والتي تشكّل إحدى أبرز وجوه الأغنية العربية البديلة وإحدى أجمل أصواتها.
لا يشكّل ألبوم تانيا صالح الرابع «شويّة صوَر» مجرّد إصدار غنائي جديد تضيفه الفنّانة اللبنانيّة إلى رصيدها الحافل. يجوز وصفهُ بجسر عبور جديد إلى ذات أكثر تفتّحاً. هو الحبة التي لَوّحتها الشمس طويلاً، فسقطت على غفلة من العنقود مختزلةً كلّ حلاوته أو معظمها.

في الإصدار الجديد اختلافٌ كبير عن أغنياتها السابقة التي تناولت فيها مشكلات الفساد والطائفية والانقسامات والهوية والوحدة الوطنية بسخرية لاذعة. هكذا نراها في «شويّة صوَر» تُعمّق البحث عن الذات وعن الحبّ، وتسخّر أغنياتها صوتاً للمرأة ومشكلاتها الوجوديّة وعنواناً للإنسان بهوّيته الكونية.

«الحبّ لم يُخمد ثورتي. هذه ليست حقيقة الأمور»، هذا ما تقوله تانيا رداً على سؤال «الجمهورية»، وتشرح: «لم أترك زاويةً في مجتمعنا إلا وألقيتُ الضوء عليها. اليوم لا يمكنني العودة إلى الحديث عن الأمور نفسها وتكرار ذاتي. المشكلات ما زالت موجودة ولم تلقَ حلولاً، لكن هذا لا يعني أنْ أكرّر نفسي وأطرحها مجدّداً. في المقابل، بلغتُ مرحلةً من البحث عَن الذات وعن معنى وجودي كإنسانة خَولّني أن أستنتج أنّ الحب مسألة عظيمة».

وتضيف: «هو المحرّك الأساسي لنعيش ونستمرّ في البحث عن السعادة. لم يمرّ شاعر أو فنّان في التاريخ قدّمَ عملاً خالداً إلا وكانَت وراءه قصّة حب. هناك مَن بنى القصور أو كتب الأشعار أو مَن قدّم أفلاماً ومسرحيّات... الحبّ حَرّكهم جميعهم.

البعض يرى أنّ الحب هو الله، وبالنسبة إليّ هذا التعريف هو قريب جداً من الحقيقة لأنّ الحبّ هو هذا الشيء الغامض الذي لا نكفّ عن البحث عنه وهو سبب وجودنا على هذه الكرة الأرضية التي تتناهشها المشكلات والحروب والدماء. في ظل كلّ ذلك، من المهم أن نعرف ما هي الأمور الأساسيّة في الحياة ونستمرّ في البحث عنها، وأوّلها الحب».

في أغنية «هي لا تحبّكَ أنت»، عن قصيدة محمود درويش، غوصٌ غير مسبوق في شعور المرأة تجاه العلاقة الحميمة. بالنسبة إلى تانيا «قصيدة درويش هي أروع ما كُتب في هذا الخصوص. كان شخصاً مرهف الإحساس كفايةً ليفهم كيف ترى المرأة الرجل فعبّر عن وجهة نظرها بكلّ صدق وشفافية».

وتقول: «لم أجِد كلاماً أروع من هذه القصيدة ليعبّر عمّا أشعر به كامرأة وما يعكس شعور نساء كثيرات... لا يمكن أن تسمعي الكلمات ولا تُعجبي برَوعتها. هي لا شَكّ جريئة جداً ومباشرة، ما يؤكّد أنّني ما زلت ثورجيّة ولم أتخلَّ عن جرأتي في طرح الموضوعات الحساسة. فهذا الموضوع بالذات ما زال «تابو» في عالمنا العربي، ومن خلاله أدخل أكثر في الموضوعات الحميمة بنحوٍ أكثر عمقاً وجرأةً».

أذهب إلى النهاية

هذه ليست المرّة الأولى التي تعبّر فيها تانيا عَن مَيلها إلى كسر الحواجز والمحرّمات البائدة، ولن تكون الأخيرة. وتقول: «أذهب إلى النهاية وإلى حيث يقتضي الأمر لأتحدّث عن مجتمعنا اللبناني، حيث تنقص المواطن حقوق أساسية، فما بالك بِوَضع المواطنة أو المرأة.

نحن اللبنانيّات نظهر كأنّنا مثال للتحرّر بشَعرنا الأشقر وأنوفنا الصغيرة وشفاهنا الممتلئة، لكنّنا من الداخل نُعاني أمراضاً كثيرة نتيجة المشكلات العالقة مع الرجل في ظل الموروثات والدين... لا نظامَ مدنيّاً يحفظ حقوقنا بغَضّ النظر عن طائفتنا. لدينا مشكلات كثيرة يجب ان نبدأ بها واحدةً تلوَ الأخرى. دعونا بدايةً ننتخب مجلس نوّاب يمثّلنا، وبعدها لكلّ حادث حديث»!

في «شبابيك بيروت» من كلمات تانيا صالح وألحانها وإخراج شادي يونس، صوَر بيروت التي تُشبهنا بحضورها الأنثوي الطاغي وشبابيكها المشرّعة على كلّ الاحتمالات وكلّ ألوان المجتمع. إنّها المدينة بقصصها المنسية والحاضرة بلغة شاعرية جميلة ببساطتها وانسيابية مشهدية قلّ نظيرها. بالنسبة إلى تانيا «بيروت مثل المرأة عاشت معاناة طويلة.

هي من أقدم المدن في العالم وشهدت تعاقب حضارات كثيرة. لكنها كالمرأة التي ترفض أن تشيخ، تنهض في كل صباح وتجمّل نفسها وتحافظ على سحرها. مهما كرهناها أو ذمّيناها، نبقى معترفين ضمنياً بجمالها لأنّ هذه هي الحقيقة. هي مدينة ذات سحر خاص».

«شوَيّة صوَر نُلملمها»

«شويّة صوَر» التي تحمل عنوان الألبوم «أغنية تحاكي وجودنا الإنساني على هذه الكرة الأرضية، فبعد كلّ العذابات والقهر لا يبقى لنا سوى شوية صوَر نلملمها ونحملها معنا في الذاكرة».

وفي أغنية «كل ما تروح» «طوق جميل إلى الحب تعبّر عنه المرأة التي لا تريد من حبيبها سوى الاعتراف بخصوصيتها كأنثى. تقول له «وعِدني إنّو ما تنساني وما تساويني بحَدا تاني». «هي لا تريد منه أكثر من ذلك. تُدرك جيداً أنّ الرجل لا يستطيع أن يكون مع امرأة واحدة، لكنها لا تطلب سوى الاعتراف بأنها امرأة خاصة جداً بكينونتها ولا يمكن ان تتكرّر».

في «يوم بيتوه» التي استوحتها من «راحوا الحبايب» لأحمد عدوية تزاوُج خلّاق بين الموسيقى الشرقية والجاز الحالم، تتطرّق من خلاله إلى مسألة الزوال وتعاقب الأيّام بلا إذن منّا، لنمسي كلّنا إلى فناء، فلسنا سوى غبار في هذا الكون الواسع.

أمّا في «رضا مش راضي» فيعود صوت تانيا الساخر في هذا النوع الشعبي الذي يعيد إلى الأذهان الأغنية اللبنانية التراثية على مقام البياتي لتنقل واقع العلاقة المختلّة بين الرجل والمرأة في مجتمع ذكوري يفرض فيه «الذكَر» قوانين اللعبة كلها، متى يأكل ومتى ينام وكيف يحب القهوة أو يرغب بممارسة الحب وكيف يرغب بإدارة الحديث. تقول فيها: «مَسّحت الأرض ونَفّضتلو السجاده، عملت القهوة وحَضّرتلو الزوّاده، وبَرضو عليّي يا ماما مش راضي، شو ما بقلّلو أنا بوادي وهوّي بوادي...».

وفي «هالعيون» من كلمات تانيا وألحانها، تعبير عن قدرة المرأة على التساهل والمسامحة عند أوّل كلمة لطيفة يغدق بها الرجل عليها بعد ظلم طويل. أمّا في «ما في ولا مشكل» فتتناول تانيا موضوع البيئة وجور الإنسان تجاهها، لتوجّه في «من سُكات» تحيّة إلى روح صديقتها عازفة القانون الراحلة إيمان حمصي، من خلال مقطوعة موسيقية مصحوبة بدندنات تانيا الجميلة والموجعة في آن.

سمفونيّة عشق

وفي «طريق الحب» التي كتبتها تانيا ولحّنها بوغوص جلاليان سمفونية عشق خاصّة تأخذ فيها المغنية دوراً أشبه بدور راوية ترتدي موسيقاها بُعداً تصويرياً، فتقول فيها: «يا مضيّع طريق الحب أنا بعرف قادوميّة»، راسِمةً خريطة تتزاوج فيها الموسيقى مع الشعر لترسم درب الحب.

ومعها تختم تانيا بالقول: «هذه هي الخلاصة التي وصلت إليها بكل صدق بعد كل هذه السنوات. يجب أن نبحث عن الحب الذي لا يحكم العلاقة بين شخصين فحسب وإنما يحرّك كل نواتنا الإنسانية لنقوم بأمورنا الصغيرة والكبيرة بشغف ونعطي معنى أكبر لأفعالنا ووجودنا».
الأكثر قراءة